إعادة الإعمار في غزة لأحد أكبر التحديات في التاريخ الحديث، حيث خلف الصراع دماراً شاملاً فاق كل التوقعات. لم يقتصر الأمر على المباني السكنية، بل امتد ليشمل البنية التحتية الحيوية من مؤسسات تعليمية وصحية وشبكات طرق ومياه وكهرباء. تظهر التقديرات الأولية أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تجاوزت 18.5 مليار دولار حتى مطلع عام 2024، مع تدمير حوالي ثلثي مباني القطاع. هذا الدمار الهائل أدى إلى نزوح أكثر من 1.9 مليون شخص، مما يفرض ضغطاً هائلاً على الموارد المحدودة والقدرة على توفير المأوى المؤقت فضلاً عن الدائم.
أبرز التحديات التي تواجه مشاريع إعادة إعمار غزة
تواجه عملية إعادة إعمار غزة مجموعة معقدة من التحديات تتجاوز بكثير مجرد توفير التمويل ومواد البناء. هذه التحديات متجذرة في الوضع السياسي والأمني والإنساني في القطاع.

1.إزالة الركام والذخائر غير المنفجرة
يعد التخلص من أكثر من 50 مليون طن من الركام تحدياً لوجستياً هائلاً، حيث تقدر الأمم المتحدة أن هذه العملية وحدها قد تستغرق ما يصل إلى 21 عاماً بتكلفة تتجاوز مليار دولار. الأدهى من ذلك هو تطهير الأرض من الذخائر غير المنفجرة، وهي عملية قد تستغرق 14 عاماً أخرى، وتشكل خطراً مميتاً على العمال والمدنيين. لا يمكن البدء في إعمار فعال قبل إنجاز هاتين المهمتين الحاسمتين، واللتين تزيدان من تعقيد وطول أمد عملية الإعمار بشكل كبير.
2.الحصار والسيطرة على المعابر
تعد السيطرة الإسرائيلية على المعابر والتحكم في دخول مواد البناء الأساسية عقبة رئيسية. أظهرت التجارب السابقة أن الحصار أدى إلى تعطيل جهود الإعمار بعد الصراعات السابقة، مما ترك مئات الآلاف بلا مأوى لسنوات. إن رفع الحصار وتسهيل حركة البضائع والعمالة يعد شرطاً مسبقاً لأي سياسة إعمار ناجحة ومستدامة.
3.النزوح الجماعي والحاجة الملحة للمأوى
يواجه أكثر من 1.9 مليون نازح ظروفاً إنسانية صعبة للغاية، حيث يحتاجون إلى مأوى طارئ يوفر لهم الحد الأدنى من الكرامة والحماية. الخيام والملاجئ المؤقتة لا توفر حماية كافية من الظروف الجوية القاسية، وتفاقم من انتشار الأمراض بسبب غياب خدمات المياه والصرف الصحي الأساسية. تلبية هذه الحاجة العاجلة تتطلب بنية تحتية وإمدادات متكاملة حتى قبل البدء بالإعمار الفعلي.
اقرأ المزيد اعمار المنازل في غزة
فرص إعادة الإعمار في غزة

1.الدعم الدولي والإقليمي من أجل إعادة الإعمار
توجد خطط ومبادرات دولية وعربية لدعم إعادة الإعمار، مثل الخطة العربية التي تقدر تكلفتها بـ 53 مليار دولار، ودعم أوروبي من دول مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا. هذه المبادرات تفتح آفاقاً للتمويل وتوفير الخبرات الفنية، وتسمح بإنشاء “آلية إدارة إعمار” مشتركة بين الأمم المتحدة والبنك الدولي والدول المانحة، مما قد يخلق حوكمة دقيقة لأموال الإعمار.
2.التنمية الاقتصادية المستدامة
يمكن لعملية الإعمار أن تكون محفزاً للتنمية الاقتصادية. تشمل الفرص المحتملة إعادة تدوير الركام، وتطوير سلاسل قيمة للمواد الإنشائية، ودعم الصناعات الخفيفة مثل الغذائية، وتوفير فرص عمل في مجالات التعهيد والخدمات الرقمية. هذه الجهود يمكن أن تخلق اقتصاداً موازياً يقلل الاعتماد على المساعدات الخارجية ويوفر مصادر دخل مستدامة للسكان.
3.التكامل الإقليمي: ربط غزة بجوارها الاقتصادي
تركز بعض الأفكار على ربط غزة بجوارها الإقليمي عبر مشاريع الطاقة والموانئ والاتصالات. هذا النوع من التكامل يمكن أن يوسع فرص العمل، ويقلل من التبعية للمساعدات، ويجعل غزة جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الإقليمي. يتطلب هذا ضمانات أمنية دولية، لكنه يمثل مخرجاً استراتيجياً للقطاع من دائرة الإغاثة إلى مسار التنمية.
4.تحسين الظروف المعيشية وكرامة السكان
توفر خطة إعادة الإعمار فرصة فريدة لتحسين الظروف المعيشية الكارثية التي يواجهها الفلسطينيون. هذا يشمل إعادة بناء القطاع الصحي، وتوفير المياه النظيفة، والصرف الصحي، والتعليم. الاستثمار في هذه القطاعات الأساسية لا يعيد بناء البنية التحتية فحسب، بل يعزز أيضاً صمود السكان وكرامتهم، ويوفر لهم حياة طبيعية بكرامة وأمان.
اقرأ المزيد أثر القصف على البيئة قي غزة
التأثير الاجتماعي والاقتصادي من أجل إعادة إعمار غزة
1.برامج تشغيل مؤقتة:
مشاريع إنشاء البنى التحتية توفّر وظائف سريعة وتدفقات نقدية للأسر، وتساعد في إزالة الأنقاض بشكل أسرع مع الحفاظ على الدخل. هذه الآليات مدعومة خبرياً في سياقات طوارئ أخرى وتوصي بها المؤسسات الدولية.
2.دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإعادة إحياء سلاسل الإمداد المحلية:
منح قروض ميسّرة وبرامج تدريب فني لتسريع استعادة النشاط التجاري المحلي.
3.حماية اجتماعية وخدمات نفسية:
توفير دعم نفسي واجتماعي للنازحين والمعرّضين للصدمات، وضمان أمن الغذاء والصحة أثناء وبعد تنفيذ المشاريع.
لا يقتصر الإعمار على الجدران والأسقف، بل يتعداه إلى بناء مؤسسات مدنية وخدمية قوية، والأهم من ذلك هو تجاوز الصدمة الجماعية التي تعرض لها السكان، والتي تتطلب جهوداً نفسية واجتماعية واسعة النطاق. إن إعادة إعمار غزة هي مهمة ضخمة ومحفوفة بالصعوبات، في ظل ضخامة الدمار، وصعوبة إزالة الركام والألغام، والتشرد الجماعي، وهشاشة الوضع السياسي، ومستويات التمويل الضخمة المطلوبة، والقيود الأمنية، واستمرار الحصار. تظهر الأمم المتحدة أن الإعمار الكلي قد يستغرق ما بين 16 إلى 80 عاماً، وقد يزيد عن قرن في حال استمرار الحصار.

