أزمة التجويع الممنهج لا زالت تجتاح قطاع غزة، والعديد من الأشخاص يموتون إثر هذه الأزمة المأساوية، وهذه ليست نتيجة طبيعية للحرب الحالية، بل هي إبادة جماعية، حصارٌ متواصل، قيود مشددة على دخول السلع والوقود والأدوية، تدميرٌ متعمد للبُنى التحتية الحيوية، وقيودٌ على عمل فرق الإغاثة والاتصال بالمجتمعات المتضرّرة. هذه العوامل مجتمعةً لم تترك للسكان سوى خياراتٍ محدودةٍ تؤدّي إلى تراجعٍ حادٍ في استهلاك الغذاء وارتفاعٍ سريعٍ في معدلات سوء التغذية والوفيات، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن.
أثر الحصار على الوضع الغذائي في غزة
يمثل الحصار المفروض على غزة منذ سنوات طويلة، والذي اشتدّ مع اندلاع الحرب الأخيرة، أحد أبرز الأسباب المباشرة لانهيار الأمن الغذائي ووصوله إلى مستويات غير مسبوقة. تأثيراته لا تقتصر على منع دخول المواد الغذائية، بل تمتد إلى تعطيل دورة الغذاء بكاملها ابتداءً من الإنتاج وحتى الاستهلاك.
1. تقييد حركة السلع والمعابر
القيود الصارمة على إدخال المواد الأساسية جعلت الأسواق المحلية شبه فارغة من السلع الحيوية مثل الطحين والزيوت والأغذية العلاجية الخاصة بالأطفال. ومع ندرة البضائع، ارتفعت الأسعار بشكل يفوق قدرة الأسر على الشراء، فتحوّل الغذاء من ضرورة يومية إلى سلعة شبه مستحيلة المنال.
2. أزمة الوقود وتبعاتها
الوقود ليس مجرد مادة تشغيلية، بل هو أساس استمرار المطاحن، الأفران، محطات المياه، وشبكات التبريد. ومع منع وصوله أو تقليصه إلى الحدود الدنيا، تعطّلت الأفران عن إنتاج الخبز، وتلفت المواد القابلة للتخزين السريع، ما فاقم أزمة الجوع بشكل يومي.
3. تدمير البنى التحتية المدنية
الغارات التي طالت الأفران، المزارع، المخازن، وحتى شبكات المياه والكهرباء، أضعفت قدرة القطاع على الاعتماد على إنتاجه المحلي أو الحفاظ على مخزونه الغذائي. وبذلك، أصبح الاعتماد على المساعدات الخارجية شبه مطلق، وهو ما يضاعف حساسية الوضع تجاه أي تأخير أو تعطيل.
4. تأثير مباشر على الفئات الأكثر هشاشة
الأطفال، الحوامل وكبار السن هم الأكثر تأثراً بالحصار. مع انقطاع الأغذية العلاجية والحليب المخصّص للأطفال، ارتفعت نسب سوء التغذية الحاد، وبدأت تظهر وفيات كان بالإمكان تجنبها لو توفرت أبسط الاحتياجات الأساسية.
أسباب تصاعد أزمة التجويع في غزة
1. حصار وإغلاق منافذ دخول المساعدات (القيود على المعابر)
فرضت قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي قيود صارمة على حركة السلع والوقود والأغذية والدواء عبر المعابر الحدودية إلى غزة، إضافة إلى موافقات أمنية معقّدة وقيود على كميات ووصفات الشحنات التجارية والإنسانية. وقد أدى إلى نفاد المخزون الغذائي التجاري، انهيار سلاسل الإمداد، وارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية مما حوّل الغذاء من سلعة متاحة إلى سلعة غير ميسّرة لشرائح واسعة من السكان.
2.التهديدات الأمنية عند نقاط التوزيع
سقوط قتلى وجرحى لدى محاولات السكان الوصول إلى نقاط التوزيع، واستمرار إطلاق النار في محيط مراكز التوزيع.
اقرأ المزيد المجازر المعتمدة عند نقاط توزيع الطعام في غزة
3.تدمير البنية التحتية الحيوية
الضربات المتكررة للبنى التحتية المدنية (مستشفيات، أفران، شبكات مياه وكهرباء، مخازن الغذاء)، أدت إلى تعطل الأفران والمطاحن أدى إلى نقص الخبز، وتلف المنتجات القابلة للتلف، وظهور أزمة صحية مرتبطة بسوء المياه والتغذية. الأضرار البينية بين الصحة والغذاء ساهمت في خلق حلقة مفرغة تزيد من وفيات سوء التغذية.
4.انهيار النظام الصحي
المستشفيات تعمل بتجهيزات محدودة جداً مع نقص حاد في الأدوية، الوقود، والأغذية العلاجية الخاصة بمرضى سوء التغذية.
5.انعدام الأمن ومنع عمل فرق الإغاثة
الهجمات التي تستهدف مواقع الاستجابة الأولية أو التي تتبعها ضربات ثانية بعد أول استهداف، بالإضافة إلى استهداف صحفيين ومسعفين، أدت إلى تردد العاملين الإنسانيين وتقليص عملهم الميداني. ونتيجة ذلك، انخفاض عدد الشحنات الموزعة فعليًا وتجمُّع المدنيين في أماكن خطرة بحثًا عن الطعام، مما رفع عدد الضحايا في نقاط التوزيع وخلّف أثرًا رادعاً على توسيع عمليات الإغاثة.
أوضاع الأطفال في غزة وسط أزمة التجويع
يُشكّل الأطفال في قطاع غزة الفئة الأكثر هشاشة أمام أزمة التجويع المستمرة، إذ إن حرمانهم من الغذاء الكافي لا ينعكس فقط على صحتهم الجسدية في الوقت الحاضر، بل يهدد مستقبلهم التنموي والنفسي على المدى البعيد.
1. سوء التغذية الحاد والمزمن نتيجة أزمة التجويع
نقص الأغذية الأساسية، وخاصة الحليب والأطعمة الغنية بالبروتين، أدى إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال، حيث بدأت تظهر حالات “الهزال الشديد” و”نقص الوزن” بمعدلات مثيرة للقلق. هذا الوضع يعرّض آلاف الأطفال لخطر الوفاة المبكرة أو الإصابة بأمراض مزمنة مرتبطة بضعف جهاز المناعة.
2. انهيار الخدمات الصحية الخاصة بالأطفال
المستشفيات وعيادات الرعاية الأولية تعاني من نقص حاد في الأدوية والمكملات الغذائية العلاجية المخصّصة للأطفال المصابين بسوء التغذية. وفي ظل انقطاع الكهرباء ونقص الوقود، تعجز وحدات العناية المكثفة وحاضنات الأطفال عن توفير الرعاية الضرورية، ما يفاقم معدلات الوفيات بين المواليد الجدد.
3. انقطاع التعليم وحرمان الطفولة
أزمة الغذاء دفعت آلاف الأسر إلى تحويل أولوياتها من التعليم واللعب إلى البحث عن لقمة العيش. كثير من الأطفال باتوا يقضون ساعات طويلة في الوقوف بطوابير المساعدات، بدلًا من الذهاب إلى المدارس التي تعطلت بدورها. هذا الواقع يسلبهم حقهم الأساسي في التعليم، ويترك أثرًا طويل الأمد على مستقبلهم.