مع تصاعد الأعمال العدوانية الاحتلال الإسرائيلي ضد أهل غزة، ظهر انحياز واضح في وسائل الإعلام الغربية لصالح رواية الاحتلال، مما كشف عن أزمة عميقة في خطاب الإعلام الغربي. ورغم كل الشعارات التي ترفعها هذه الوسائل عم الدفاع عن الإنسان وحقوقه، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك حيث أن الإعلام الغربي يتعمد تهميش معاناة الفلسطينيين وتبرير انتهاكات الاحتلال.
كما أن هذا الانحياز لم يكن موقف عابر، بل عكس أزمة وازدواجية في المنظومة الإعلامية الغربية، التي تعيد تشكيل الواقع وفق تصورات ما يدور حول مصلحتهم، لا وفق القيم والأخلاق والإنسانية التي تدعي الالتزام بها.
وبالتالي، في سياق الانحياز الذي يقوم به الإعلام الغربي، وتورطه في تقديم صورة معكوسة مشوهة للواقع، حيث تظر المقاومة في غزة وكأنها كيان متوحش خارج عن المنطق الإنساني الغربي، يروج المقاومة الفلسطينية، التي تدافع عن شعبها تحت الحصار والعدوان. وتعتبره تهديد للسلم العالمي، وذلك في مقابل تصوير الاحتلال الإسرائيلي كممثل للقيم والأخلاق، ويخوض حرًبا عادلة ضد الشر، نيابة عن الغرب كله. وهكذا يجعلون من المعتدي ضحية، والمقاومة إرهاب، في خطاب إعلامي ينتج الواقع وفق المصالح التي تخدمهم فقط.
تشويه الإعلام الغربي لعملية طوفان الأقصى
يعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 شيء عادي في خطاب الإعلام الغربي، فقد كشف عن مدى تورط هذا الإعلام في الانحياز الغير مفهوم للاحتلال الإسرائيلي. فمنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، سارعت وسائل الإعلام الغربية إلى إدانة الحدث دون تحليل للحدث الواقع، متبنية قصة الاحتلال، خاصة في ما يتعلق بحق الدفاع عن النفس، بأي وسيلة ودون مساءلة أو محاسبة.
وفي هذا السياق، تحول الإعلام الغربي من ناقل للحدث إلى صانع للواقع، حيث أنتج خطاب لتبرير موجه للرأي العام الغربي، واستعطافه لصالح الاحتلال، ويبرر لكل الجرائم الوحشية التي اقترفها الاحتلال في حق المدنيين في غزة. وقد تم التركيز فقط على المعاناة الإسرائيلية، وتجاهل كامل 54,000 شهيد من الفلسطينيين. وما يقوم به الإعلام الغربي ليس جديد عليه، بل تكرر مع كل عدوان على غزة، حيث يتم تجريد الفلسطيني من إنسانيته، ويتم تقديم المعتدي كضحية.
لقد كشفت التغطيات الإعلامية الغربية، ازدواجيتها مع الشعوب الغير غربية، و انحيازها المطلق ناحية احكام مسبقة مورثة من قرون الهيمنة الاستعمارية، لا على قيم إنسانية كما تدعي. فهذا الإعلام لا يتحرك في فراغ، بل يرتبط بشبكات ومصالح من أجهزة استخبارات وسياسات خارجية وأصحاب نفوذ صهيونية.
إلا أن سلوكيات الإعلام الغربي، بالأخص في العدوان على غزة، تدار بموجب أجندات لا علاقة لها بقيم عادلة او حقوق الإنسان. والمفارقات المؤلمة أن هذه المؤسسات الإعلامية، التي دائماً ما قدمت نفسها كضمير مهني عالمي، تعيش اليوم ازدواجية كبيرة، حيث يتم ارتكاب الجرائم والمجازر يوميًا في حق الأبرياء في غزة، دون أن توجه ولو جزء بسيط من خطابها على ما يحدث من جرائم وحشية بحق أهالي غزة.
لماذا يبرر الإعلام الغربي الجرائم التي تحدث في غزة
تبرير الإعلام الغربي لجرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة لا يمكن فهمه، لإن انحيازهم هذا يعكس تمييز عنصري في الثقافة الغربية، سواءٍ الآخر مختلف عرقًا أو دينًا أو ثقافة. وفي هذا الإطار لا يُنظر للمقاومة الفلسطينية كحركة تحرير، بل ترى أنها حركة تمنع إسرائيل من امتدادها في قلب الشرق الأوسط، ومن هنا، يرى أن أي تهديد لإسرائيل يعد لهم تهديد مباشر للغرب نفسه.
لهذا السبب، نجد أن الخطاب الإعلامي الغربي يشرعن الجرائم الإسرائيلية، ويعتبر أنها دفاع أخلاقي عن الذات، متجاهلًا معاناة المدنيين الفلسطينيين، ومحوّا لحقائق الأرض عبر تشويه منهجي ومقصود. هذا الانحرام الإعلامي ينتج واقعًا زائف ويعد تهديد كبير، يبرر للمجازر، ويغسل الجرائم، ويعيد تشكيل الوعي العام الغربي، وهذا على أساس التضليل. ويتم تجلى التواطؤ بشكل صريح بين الإعلاميين، في مشهد يعكس سقوط لقيم المنظومة الغربية التي طالما ادعت الوقوف مع الحق والإنسان.
تحريف الإعلام الغربي للمفاهيم من مقاومة إلى الإرهاب
من أبرز أدوات الخطاب الإعلامي الغربي المنحاز، هو تحريف كل المفاهيم الأساسية، حيث استبدل مفهوم المقاومة بالإرهاب، في تبني مباشر لقصة الاحتلال الإسرائيلي، فقد تمكن الإعلام الغربي من تحويل الضحية إلى جلاد، بما يخدم المصالح السياسية المشتركة مع الكيان الصهيوني، ودعم الامتدادات الاستعمارية في الشرق الأوسط.
وقد تم تصدير صورة مقلوبة بالكامل إلى الجمهور الغربي، حتى أصبحت الحركات التحريرية والمقاومة المشروعة، مصنفة كتهديد، بينما يتم تصوير أفعال الاحتلال كدفاع عن النفس، ويندرج تحت مظلة الحرية.
فما نشهده من تلفيق متعمد، وتشويه للحقائق، وتغاضٍ عن معاناة شعب يُنادي بحقوقه، هذه الشبكة الإعلامية الضخمة لا تنقل الواقع كما هو، بل تعيد تشكيل معاناة الفلسطينيين، بما يخدم مصالحها، ونجح الإعلام الغربي في تبرير القمع وتجميل الاحتلال. لكن يُعد سقوط أخلاقي وإنساني ويفضح أكثر كلما اشتد القصف، وكثر الشهداء، لا تجد الإعلام الغربي مساحة لعرضها أو حتى الاعتراف بإنسانيتها.
اقرأ المزيد