مأساة غزة مستمرة عبر الزمن، وتتكرر فيها الحرب والمعاناة، وحياتهم تُقابل بالقهر والإبادة، حتى أن تضحياتهم لا يأتي معها هدوء بل تُقابل بالمزيد من الموت. حيث أن ما يحدث معهم من إبادة وعنف يعجز العقل عن تصديقه. وكلما حاولوا الوقوف من جديد أو محاولة تجاوز المأساة تأتي مصيبة جديدة تهدم كل ما صنعوه وكأن الحياة ترفضهم وتصر على منعهم من النهوض. وكأنهم يعيشون ماضيهم في حاضرهم.
أهل غزة لم يهدأ لهم بال يوماً ولم يتسنى لهم أن يعرفوا طعم الراحة يومً واحدًا، وفوق العنف والقصف الذي يحدث لهم، يصاحبه الألم النفسي العميق الذي يرهق أرواحهم. لقد امتدت معاناتهم في غزة من الماضي إلى الحاضر، حتى أم الحرب غيّرت نظرتهم للحياة حتى أصبحت رمزًا مشوهًا. ومنذ بدء التكوّن إلى العدم، بدأت المعناة مع وجودهم، وتكاد تنتهي معهم، رافقتهم من الماضي حتى الحاضر.
وضع غزة ما قبل الاحتلال
غزة كانت مدينة مهمة عبر التاريخ، تقع على الساحل الفلسطيني، ومرت عليها حضارات مختلفة، موقعها الجغرافي جعل منها محطة للتجارة والتواصل بين الشعوب العديدة. كما أن غزة لم تحمل أهمية استراتيجية فقط بل أيضًا اقتصادية، لأنها كانت مركزًا للتجارة، وكان يعيش فيها المسلمون والمسيحيون معًا بشكل متناغم وفي حالة من التعايش والسلام.
بدأت الأزمات في فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين خلال (1917–1948)، حيث بدأ الصهاينة في عمل خطط لأخذ الأرض من خلال شرائها، بدأت من هنا الحركة الصهيونية في تنفيذ خطة السيطرة على الأراضي الفلسطينية. وذلك حدث بأساليب ملتوية وبهدف تغيير هوية الأرض وتحويلها إلى دولة يهودية.
وعلى الرغم من تحذير القيادات الفلسطينية من خطورة بيع الأراضي لليهود، وقد وقع بعض الأفراد في الفخ وقاموا ببيع أراضيهم لليهود. وذلك ساهم في تحقيق جزء من من خطة الاستيطان اليهودي على فلسطين، وكان الامتلاك قانوني بشكل ظاهري، والهدف منها السيطرة التدريجية على الأراضي الفلسطينية.
بداية الأزمات على غزة
عندما احتلت بريطانيا فلسطين في عام 1917، بدأت مرحلة جديدة من السيطرة الأجنبية، وفي نفس العام، تم إصدار وعد بلفور، وهو تصريح رسمي من الحكومة البريطانية يعد اليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ومن تلك اللحظة بدأت بريطانيا بتسهيل هجرة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية، مع توفير الدعم والحماية لهم، وكانت غزة من المدن الفلسطينية التي تأثرت بهذه السياسات.
وعلى الرغم أن مدة الاحتلال البريطاني كان لا تُعد طويلة وهذا بالنسبة لمدة الاحتلالات الأخرى، إلا أن ما نتج عنه كان خطير للغاية. لأنه بدأت بشكل سريه سياسة تحويل فلسطين إلى أرض يهودية من خلال شراء الأراضي، وإنشاء المستوطنات. من ثم أدى هذا إلى تصعيد التوتر والعداء بين السكان الفلسطينيين واليهود، الذين لم يكتفوا بالهجرة فقط، بل قاموا على السيطرة على الأرض وبناء مستوطنات عليها، مما زاد من غضب الفلسطينيين.
وبدأت حرب في عام 1948، وهي حرب قامت بسبب رفض العرب لإعلان قيام دولة إسرائيل. لقد كان قطاع غزة ذا أهمية كبيرة، سواء من حيث موقعه أو حتى دوره في الصراه. وقد أصبح القطاع مكان أمن لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين تم طردهم من منازلهم، أو حتى من هرب منهم بسبب المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، بحق المدنيين، الذين فقدوا أراضيهم ومنازلهم ولم يعد لهم مكان يلجأون إليه سوى غزة.
استمرار توسع إسرائيل في فلسطين
أصبحت غزة في عام 1967 من المناطق التي خضعت للاحتلال الإسرائيلي، وقد أحدثت هذه النكسة نقطة تحول حاسمة. إذا واصلت إسرائيل بعد ذلك توسيع مشارعها الاستيطانية والسيطرة على الأرض، وذلك ذاك من عمق المعاناة التي حدث للفلسطينيين.
ومنذ اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987،شكل قطاع غزة محور رئيسي للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من المحاولات الإسرائيلية المتواصلة لتدمير البنية التحتية في القطاع، قد أثبتت غزة صلابتها وأنها لا تقهر. قد اندلعت الانتفاضة بالحجارة والهتافات وبشكل معبر عن إرادة الفلسطينيين. لكن قد جاء الرد الإسرائيلي بشكل عنيف من قتل وقمع.
سيطرة المقاومة على غزة
عام 2007 سيطرة المقاومة على قطاع غزة، ومن ثم فرضت إسرائيل حصار خانق على غزة جعل من حياة أهل غزة صعبة، فحول القطاع إلى مساحة من المعاناة اليومية. ومنذ ذلك الحين، قد تعرضت غزة للعديد من الحروب المدمرة وكأن أبرزها في أعوام 2008 ، 2012، 2014، 2023. وفي كل عدوان كانت تشنه إسرائيل، كانت تستهدف البنية التحتية بشكل كبير وواسع، وتسقط أعداد كبيرة من الشاء والجرحى، غير أنها كانت تتطلع لإخماد نار المقاومة التي لم تنطفئ وسوف تظل حيه حتى ينتهي عصر الاحتلال الإسرائيلي. غزة ظلت صامدة في وجه الحرب الإسرائيلية.
عندما اندلعت حرب جديدة على غزة في أكتوبر 2023 واستمرت لعامين وقتل 54,381 ألف وتم قصف وتدمير آلاف المنازل، وفرضت إسرائيل عليهم حصارهم وانقطع عنهم كل سبل التواصل، وكل احتياجاتهم الاساسية من ماء وكهرباء وخدمات صحية، وبرغم كل تلك الظروف التي أقل ما يقال عنها أنها غير إنسانية، حافظ أهل غزة على صموده، متماسكًا بحقه في الحياة، ومواصلًا دفاعه ومقاومته بدون كلل.
ومع حلول 2025 زاد الأوضاع سوءٍ وهذا بسبب فشل وقف إطلاق النار في مايو 2025، وفي تصاعد الهجمات وتدهور الأوضاع في قطاع غزة، ولا سيما بعد انهيار الهدنة الأخيرة ووقف إطلاق النار، زادت إسرائيل وتيرة عدوانها على الفلسطينيين، مستهدفة بشكل متزايد المدنيين. وقد نتج عن هذا التصعيد سقوط أعداد كبيرة من الفلسطينيين المدنيين، كما فاقم خطر انهيار ما تبقّى من البنية التحتية التي كانت في الأساس تعاني من أضرار كبيرة. الأمر الذي جعل من تدهور الوضع الإنساني في القطاع في زيادة، وجعل الحياة أكثر قسوة وبؤسًا.
اقرأ المزيد